الإتجار بالبشر.. جريمة بلا حدود وانتهاك خطير لحقوق الإنسان

الإتجار بالبشر.. جريمة بلا حدود وانتهاك خطير لحقوق الإنسان
ظاهرة الإتجار بالبشر - أرشيف

على مرّ العصور تغيّرت أشكال العبودية، لكن جوهرها ظل واحداً.. سلب إنسان لإنسانيته وتحويله إلى سلعة تباع وتشترى، وفي القرن الحادي والعشرين، حيث يُفترض أن العالم تجاوز تلك الحقبة المظلمة، ما زالت الجرائم تتخذ وجوهاً جديدة وأكثر وحشية، تتغلغل في الظل، وتترك وراءها ندوباً غائرة في حياة النساء والأطفال؛ ضحايا الإتجار بالبشر.

ويُعد الإتجار بالبشر من أخطر الانتهاكات لحقوق الإنسان، فهو لا ينتهك فقط القانون، بل يهشم الكرامة ويقوّض أسس العدالة، واستغلال النساء في هذه الجريمة يحمل وجهاً أشد قسوة، إذ يترافق مع العنف الجسدي والنفسي، ويتحول إلى أداة ممنهجة لإخضاع المجتمعات وإضعافها من الداخل ، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.

ورغم الجهود الدولية، لا تزال الظاهرة تنتشر عبر الاستغلال الجنسي، والعمل القسري، والتسول المنظم، والإتجار بالأعضاء، وتستهدف الفئات الأضعف، خاصة النساء والأطفال الذين غالباً ما تُطمس قصصهم في زوايا النسيان.

إطار دولي.. وواقع مؤلم

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2000، "بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال"، ودخل حيز التنفيذ في ديسمبر 2003، مع التزام الدول الموقعة بحماية الضحايا وضمان سرية هوياتهم، وتوفير المأوى والدعم النفسي والقانوني لهم.

لكن الأرقام تكشف أن الطريق ما زال طويلاً؛ إذ تؤكد دراسات حديثة أن نحو 65% من عمليات الإتجار تتم عبر شبكات إجرامية عابرة للحدود، فيما تنفذ 35% داخل الدول نفسها.

ورغم توقيع 185 دولة على البروتوكول، وتبني قوانين وطنية في أوروبا والولايات المتحدة لمحاربة الجريمة، إلا أن التطبيق على الأرض يصطدم بضعف الرقابة، وتواطؤ بعض الأطراف، وغياب الحماية الفعلية للضحايا.

تحول الجسد لساحة حرب

في 3 أغسطس 2014، شهد العالم واحدة من أبشع صور الإتجار بالبشر على يد تنظيم "داعش"، فيما عُرف بـ "الإبادة رقم 74" ضد الإيزيديين، قُتل آلاف المدنيين، وخُطفت آلاف النساء والفتيات. 

لم يكن الهدف مجرد السيطرة العسكرية، بل كان الجسد الإيزيدي نفسه ميداناً للهجوم؛ نساء أُسرن، بِعْن في أسواق النخاسة، وتعرضن لانتهاكات جنسية ممنهجة، وحُرمن من أبسط مقومات الحياة.

تقول إحدى الناجيات، بعد تحريرها من الرق عام 2017: "كنا ملكاً لهم.. بلا أسماء، بلا حياة، بلا أمل، كانوا يبيعوننا كما تُباع المواشي، ويعاملوننا غنائم حرب".

بدعم من قوات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، وقوات شنكال المحلية، تم تحرير الآلاف من قبضة داعش، ومع ذلك، لا يزال مصير قرابة 2,900 إيزيدي، معظمهم نساء وأطفال، مجهولاً حتى اليوم، بحسب مكتب إنقاذ الإيزيديين.

ذاكرة لا تموت

حتى أغسطس 2023، تم العثور على أكثر من 90 مقبرة جماعية في شنكال، شاهدة على جرائم لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة الضحايا أو التاريخ. أكثر من 7,000 شخص تحرروا، لكن كثيرين عادوا محملين بصدمة لا تزول، ووصمة مجتمعية تضاعف آلامهم.

الإتجار بالبشر ليس جريمة محلية، بل شبكة معقدة من المصالح تمتد عبر القارات، وتؤكد الأمم المتحدة أن مواجهتها تتطلب تنسيقاً دولياً، وتطبيقاً صارماً للقوانين، ودعماً مباشراً للضحايا، قبل أن يتحول العالم إلى مسرح مفتوح لأسواق سوداء جديدة للبشر.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية